مراكمة التوحش
إيمان شمس الدين *

ففي لحظات السقوط الحضاري يكون الاستجلاب لكل ما يمّكن هذا السقوط من الاستمرار، وكانت داعش الوجه المتطور عن القاعدة، هي الوجه الملائم لمرحلة السقوط الزمنية في منطقتنا.
ورغم وحشية ما أسست له من قتل على الهوية بطرق بشعة، بل قتل لحقيقة الإنسان وقيمه، استطاعت أن توَطّن وحشيتها في عقول عدة، منها عقول عاشت وهم عودة الخلافة، وأخرى أثقلها التهميش والفقر وتطلعت للعدالة، فظنت تحققها في داعش، وعقول مأجورة وأداة في اللعبة الإقليمية التي احدى أدواتها داعش.
بعد التوطين قامت بإدارة التوحش في المنطقة، وتولى أتباعها ومناصروها في كل دولة مراكمة التوحش لتمكينه زمنيا وتوثيقه تاريخيا، ليصبح له موقعا فيه وبصمة في الزمن الحاضر، فيشكّل حلقة وصل بالماضي السحيق، ويجَسّر علاقة ذلك الماضي بحمولاته الثقيلة على جسد الأمة بالمستقبل، فيضمن له مقعدا فيه حتى لا يموت، فإن دخل في مرحلة كمون نسبي لظروف المرحلة، فإنه يضمن إعادة تشغيله عند الحاجة في المستقبل.
وللأسف عملية المراكمة التي يقوم بها أنصاره تتم بشرعنة التوحش نصيا بتأويلات، يفترض اليوم أن يعاد النظر فيها وفي المنهج المعرفي لهذه المدرسة ككل، حتى يتم تقويضها من الجذور، فلا تملك لا المقومات التاريخية ولا مقومات إعادة النهوض في اللحظات المناسبة، لتستفيق مجددا كالوحش وتدمر المنجزات الإنسانية، كما فعلت في حاضرنا.
لذلك مواجهة من يراكم التوحش الداعشي لا يكون فقط بالقبضة الأمنية، بل أيضا ضمن سلة متكاملة أهمها المواجهة الفكرية، حيث الأفكار تقود العقول التي تشكل عواطف وسلوك الإنسان.
فمن تورط عسكريا مع داعش لا يختلف عنه من تورط فكريا بأفكارها، وإن لم ينتسب لها عسكريا، كونه سيكون أداة في مراكمة التوحش وتوظيفه الزمني والتاريخي، وهو ما يجب على الدولة واقعا مواجهته ووضع استراتيجيات تعليمية واعلامية وفكرية له.
فمن مضى قد يكون فاتته المواجهة الفكرية وتقويض جذور الداعشية تقويضا بنيويا ليفككها، وهو ما يجب الآن كخطوة تصحيحية القيام به وتلافي تكراره، حتى نجنب الأجيال خطر المراكمة، فيعود التوحش بصورة أكثر توحشا مما هو عليه الآن، كما عاد لنا بصورة أكثر وحشية مما مضى.
* إيمان شمس الدين : كاتبة وباحثة
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |