منشورات علي شريعتي تنطلق من لبنان وجدل كبير حولها
الكاتبة مايا ياغي *
بعد نشر دار الأمير التراث الفكري لعلي شريعتي، بموجب عقد موقع مع الدكتورة بوران شريعتي رضوي أرملة الدكتور شريعتي، التي أعطته الحق الحصري بترجمة آثاره ونشرها باللغة العربية. تنجز اليوم القسم الأول من الأعمال الكاملة للدكتور شريعتي في عشرة مجلدات. تضم ثلاثين مؤلفا، تتعلق مواضيعها بالهوية، وضرورة العودة إلى الذات، والمقاومة الثورية لمشاريع الإستعمارفي محاولة جادة وصادقة منه لتوصيف حقيقة المآزق التي تعيشها الأمة الأسلامية وطرح الحلول لها, و لا يخفى على قراء علي شريعتي كيفية تلمسه للدين الإسلامي من جانبه الثوري الإحتجاجي ذو الإيديولوجية الكفاحية، في استنداه الى النباهة أولا والعمل ثانيا والعبادة ثالثا، لتستعيد الأمة فعاليتها الإجتماعية بصورة ركيزية، ولتستيقظ من قرون النوم الطويلة بحسب وصف مالك بن نبي لتمارس دورها الرائد في الحياة الحضارية.
يطرح شريعتي في كتابه "النباهة والاستحمار" الكثير من نقاط الضعف في مجتماعاتنا الإسلامية والتي تتلخص بقوله": إنه لمن سوء الحظ أن لا ندرك ما يُراد بنا، فيصرفوننا عمّا ينبغي أن نفكّر فيه من مصير مجتمعنا أو أُفكر فيه أنا من مصيري "كإنسان"، إلى أن نفكر في أشياء نحسبها راقية جداً وعظيمة ومشرّفة، فيصيبون الهدف دون أن نشعر! ومن أجل هذا قلت في مكان آخر: "إذا لم تكن حاضر الذهن في "الموقف" فكن أينما أردت؛ المهم أنك لم تحضُر الموقف، فكنْ أينما شئت؛ واقفاً للصلاة أم جالساً للخمرة، كلاهما واحد".
"إن المستعمرين لا يدْعُونك لما تستاء منه دائماً، فيثيرون انزعاجك فتنفر منهم إلى المكان الذي ينبغي أن تصير إليه! بل يختارون دعوتك حسب حاجتهم، فيدعونك أحياناً إلى ما تعتقده أمراً طيباً من أجل القضاء على حق كبير، حق مجتمع أو إنسان، وأحياناً تُدعى لتنشغل في حقٍّ آخر، فيقضون هم على حقّ آخر هو أولى. عندما يشبُّ حريق في بيتك، ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرّع إلى الله، ينبغي عليك أن تعلم أنها دعوة خائن، فكيف إلى عمل آخر؟ فالاهتمام بغير إطفاء الحريق، والانصراف عنه إلى عمل آخر، ما هو إلا استحمار، وإن كان عملاً مقدساً أو غير مقدَّس".
أما كتابه "الأمة والإمامة" والذي نشره دار الأمير في العام 1992، "... هنا تطرح أكثر قضايانا الدينية والتاريخية حساسية، وأسس اختلاف السنة والشيعة، وهي الوصية أو البيعة، الشيعة ينكرون البيعة والشورى ويعتمدون الوصية بدل ذلك، وأهل السنة على العكس، فهم ينكرون الوصية، ويعتمدون الشورى في الخلافة، بينما لا يتناقض هذان الأصلان مع بعضهما، وليس أي منهما مجعولاً وغير إسلامي، فالشورى والإجماع والبيعة يعني: الديمقراطية، قاعدة إسلامية صرّح بها القرآن الكريم."
لا يستطيع الباحث أو القارئ أن يقف على رأي شريعتي الواضح، من موضوع التشيّع أو الإمامة والعدل أو مسألة الاجتهاد أو موضوع الانتظار أو الخاتمية من دون الرجوع إلى الجزء الثاني من كتابه "تاريخ ومعرفة الأديان"، فشريعتي يعتبر أن الإمامة ليست من أصول المذهب كما ذهب إليه البعض، بل هي من أصول الإسلام. و يعتبر أن التشيّع هو الغاية النهائية لأطروحة الإسلام من أجل إقامة دولة الحق والعدل والإيمان، وإذا اقتضى الأمر غير ذلك بسبب الظروف السياسية والاجتماعية والتاريخية؛ فإن شريعتي يعتبر أن التشيّع هو أفضل صيغة ثورية تمتلك ناصية التغيير نحو مجتمع أفضل ونحو إنسان كامل ومتكامل، ويذهب شريعتي إلى أبعد من ذلك كله؛ ليقول بأن التشيّع لم يكن ديناً جديداً أو مذهباً وإنما التشيّع يحمي رسالة الإسلام ويسير على الطريق الإسلامي المحمدي الأصيل.
يؤكد شريعتي أن أفكاره ونظرياته هي آراء شخصية، تمثّل وجهة نظره الخاصة، فيجب على القارئ المُنصف أن لا يعكس هذه النظريات على المؤسسة الشيعية كمذهب أو كأفراد، "أما ما أطرحه أو أقوله الآن أو في أي مكان آخر، وما أقوله في المستقبل، لا يعني أن هذا هو كل شيء ولا يوجد هناك طرح غيره، لأن هذا الطرح يمثّل وجهة نظري الخاصة، وهناك أيضاً من الأخوة أصحاب الخبرة والاختصاص مَن يمتلك وجهة نظر أفضل وأوسع، لأنهم ينظرون إلى المسائل من وجهة نظر أخرى مختلفة، وأنا أطرح المسائل من وجهة نظري الخاصة.".
بعد نشر كتاب "فاطمة هي فاطمة"، بدأت المشاكل، التي تحوّلت بحسب قانون التطوّر والارتقاء العربي إلى شتائم، ثم استعر إوارها لتصل حد الحملات المجنونة بعد نشر كتاب "محمد (ص) خاتم النبيين"، وكتاب "الإمام علي (ع) في محنه الثلاث"، وكتاب "الشهادة" بحلة جديدة، وبالأخص عند نشر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي".
عكست كتابات شريعتي ثراءً كبيراً أسّس لتوجه فكري متميز، حاول من خلاله المفكر أن يربط بين الهم الإسلامي والخبرة العلمية في أفقها الإنساني الرحب, ويؤسس لقراءة نقدية للمخزون الثقافي الإسلامي.
* صحافية لبنانية تكتب في كلٍ من جريدة السفير والأخبار ومجلة شؤون جنوبية، إضافة إلى إذاعة النور وإذاعة البشائر.
الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم. |