الصفحة الرئيسة البريد الإلكتروني البحث
سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي
الصفحة الرئيسة اّخر الإصدارات أكثر الكتب قراءة أخبار ومعارض تواصل معنا أرسل لصديق

جديد الموقع

سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي

أقسام الكتب

مصاحف شريفة
سلسلة آثار علي شريعتي
فكر معاصر
فلسفة وتصوف وعرفان
تاريخ
سياسة
أديان وعقائد
أدب وشعر
ثقافة المقاومة
ثقافة عامة
كتب توزعها الدار

الصفحات المستقلة

نبذة عن الدار
عنوان الدار
About Dar Al Amir
Contact Us
شهادات تقدير
مجلة شريعتي
مواقع صديقة
هيئة بنت جبيل
اصدارات مركز الحضارة

تصنيفات المقالات

شعراء وقصائد
قضايا الشعر والأدب
ريشة روح
أقلام مُقَاوِمَة
التنوير وأعلامه
قضايا معرفية
قضايا فلسفية
قضايا معاصرة
الحكمة العملية
في فكر علي شريعتي
في فكر عبد الوهاب المسيري
حرب تموز 2006
حرب تموز بأقلام اسرائيلية
English articles

الزوار

13284155

الكتب

300

القائمة البريدية

 

ابن سيناء والحكمة المشرقية

((قضايا فلسفية))

تصغير الخط تكبير الخط

ابن سيناء والحكمة المشرقية

بقلم: الطاهر بن عاشور.

تهبّ الصبا بليلة من جانب الشاطئ الشرقي، وتميل بأفنان البساتين فتجعل صيف المرسى ربيعاً، وتجلو من أحاسن محاسنها منظراً بديعاً، وكما تميل بالأفنان كذلك تميل بما للنفوس من الفنون، فإذا كل حزب بما لديهم فَرِحون:ebnsena_356

فمفتون بآيات المثاني ومفتون برنات المثاني.

وأنا مولعٌ بورقةٍ تُحرَّر، أو كتابٍ يُطالع فيه رأي أصيل، أو أدب جزيل. ولا بدع أن تهز الصبا أريَحِيَّتي صيفاً كما كانت تهزّ في الشتاء رياح أبي عقيل. وقد كنت من قديم مغرماً بمؤلفات الشيخ الرئيس أبي علي بن سيناء أن تجمع قولاً فصلاً، ورأياً عدلاً، ومنطقاً لا هراء ولا هزلاً، فلما مالت بي المطالعة إلى جانب قماطير الحكمة، اجتذبتُ منها كتاباً كان ظهر في المطبوعات منذ عام 1328 معنوناً باسم (منطق المشْرقيِّين) منسوباً إلى الشيخ ابن سيناء، مما نشرتْه المكتبة السلفية لصاحبيها الفاضلين: محبّ الدين الخطيب وعبد الفتاح الفتلان، وله مقدمة تستغرق ثمانية وثلاثين صفحة، فيها ترجمة الشيخ منقولة عن أهم المصادر، وذلك عمل يُشكر عليه صاحباه، شكر من عمل عملاً برّ به أباه.

لكن هذه المقدمة لم يكن فيها نصيب من التعريف بالكتاب المعنْوَن، ولا بتصحيح نسبته إلى الشيخ ولا التعريف بالأصل الذي نقل عنه والمكتبة التي تحويه. ولعل المطالع يشتهي أن يعرف هذا الكتاب وصحة نسبته إلى أبي علي. ثم هو يتوق إلى العلم بماذا يعني الشيخ حين يصف الحكمة بالمشرقية، وحين يصف بعض الحكماء بالمشرقيين، وقد احتار في ذلك الباحثون من قديم، ولم يأووا بالحران إلى ظلٍ بارد ولا كريم.

أصل الحكمة اليونانية المنقولة إلى العربية

للحكمة التي اشتغل بها فلاسفة الإسلام طريقتان: إحداهما: طريقة أفلاطون وأُستاذَيه وهي مشهورة بحكمة الإشراق - بكسر الهمزة -. والأخرى: طريقة أرسططاليس وأتباعه وهي المشهورة بالحكمة المشّائيّة - بفتح الميم وتشديد الشين -.

وقد نشأت الطريقتان عن ترجمة كتب إمامَيهما وترك ما عداها. والحكمتان تتّحِدان في كثير من الأصول وخاصة في الطبيعيات والرياضيات، وتختلفان فيما عدا ذلك أي في العلم الكلِّي الذي يبحث عن الصفات العامة العارضة لجميع الموجودات، والعلم الإلهي وهو الذي يبحث عن المجرّدات، وواجب الوجود وصفاته، وأهل السفارة عنه، ومصير النفوس بعد الموت، فهاهنا تختلف الحكمتان اختلافاً بيناً. فالحكمة الإشراقية طريقها المكاشفة وانقداح الحقائق في النفس، وأما ما يُذكر معها من الأدلة فإنما هو للإقناع. والحكمة المشّائيّة سبيلها البحث والقياس العقلي أو الاستقرائي مع رفضهم الحكمة الذوقية.

ووجه تسمية الأولى بـ«الإشراقيّة» أنها تعتمد على إشراق العقل بالارتياض والتجرّد عن الرذائل، فبكثرة الإشراق تكثر الأنوار الانكشافية وتتولّد الحقائق الصادقة ومناسباتها، قال السهروردي في حكمة الإشراق: «والإشراقيون لا ينتظم أمرهم دون سوانح نورية حتى إن وقع لهم شك يزول عنهم بالنفس المنخلعة عن البدن». ووجه تسمية طريقة أرسططاليس بـ«المشّائيّة» قيل: لأن إمامها لا يعتمد إلا على الأدلة العقلية دون الأذواق والانكشافات الروحية، فهو يمشي مع البرهان فلذلك قيل له: المشّاء. وقيل: لأنه كان يُعلِّم تلاميذه وهو يمشي وهم معه. وهذا هو الصحيح في وجه التسمية.

ولم يزل فلاسفة الإسلام يحسبون بونا بين الحكمتين، ولكن لبعض المحققين منهم ميلاً إلى التوفيق بين الطريقتين في كثير من المسائل كما فعل أبو نصر الفارابي. وفي الكتاب الذي أسماه «الجمع بين رأيَي الحكيمَين الفاضلين» - يعني أفلاطون وأرسططاليس -.

طريقة الشيخ ابن سيناء في الحكمة

كان الشيخ ابن سيناء قد نشأ نشأته الفلسفية على طريقة الحكماء المشّائين، وكان قد ألزم نفسه العكوف عليها في رَيَعان شبابه، وكان يُعجب بها أرسططاليس الملقب بالمعلم الأول، وقد نقل في آخر منطق «كتاب الشفاء» كلاماً لأرسططاليس قال فيه ما ترجمته: «إنا ما روينا عمن تقدمنا في الأقيسة إلا ضوابط غير مفصّلة، وأما تفصيلها وإفراد كل قياس بشروطه وضروبه وتمييز المنتج عن العقيم إلى غير ذلك من الأحكام، فهو أمر قد كدَدْنا فيه أنفسنا وأسهرنا فيه أعيننا حتى استقام على هذا الأمر، فإن وقع لأحدٍ ممن يأتي بعدنا فيه زيادة أو إصلاح فليصلحه، أو خلل فليسده» أهـ. فذيّله الشيخ بقوله: «انظروا معاشر المتعلمين، هل أتى بعده أحد زاد عليه، أو أظهر فيه قصوراً، أو أخذ عليه مأخذاً مع طول المدة وبُعد العهد؟ بل كان ما ذكره هو التامّ الكامل، والميزان الصحيح، والحق الصريح». ثم قال في شأن أفلاطون: «وأما أفلاطون الإلهي فإذا كانت بضاعته من الحكمة ما وصل إلينا من كتبه وكلامه، فلقد كانت بضاعته في الحكمة مزجاة» أهـ.

والسبب الذي أشار إليه الشيخ بكلامه هذا هو الذي دفع معظم فلاسفة الإسلام إلى الإقبال على الحكمة المشّائيّة لوفرة مادتها وكثرة مصنفات إمامها؛ لأن تصانيف أفلاطون كانت قليلة وقصيرة، مثل كتابه المسمى «طيماوس»، وكتابه المسمى «بوليطيا» وهما في الإلهيات. وقد كان مأثوراً عن أفلاطون أنه كان يصون الفلسفة عن التدوين كيلا يتناولها من ليس أهلاً للتخلّق بها.

ثم إن الشيخ أبا علي لما اكتهل شبابه، وجذم نابه، وفاض بالحكمة وِطابه، بدت له وجوه من النقد للحكمة المشّائيّة، فكان يعزو أغلاطها للذين دوّنوا كلام أرسططاليس، وينزّه إمامهم ولاسيما في العلم الإلهي، فمن ذلك قوله في «كتاب الإشارات»: «إن قوماً من المتصدِّرين يقع عندهم أن الجوهر العاقل إذا عقل صورة عقلية صار هو هي». قال نصير الدين الطوسي في «شرحه»: «قصد إبطال مذهب فاسد كان مشهوراً عند المشائين بعد المعلم الأول»، وقال الشيخ في موضع آخر من «الإشارات):«وكان لهم رجل يعرف بفرفوريوس عمل في العقل والمعقولات كتاباً بنى المشّاؤون عليه؛ وهو حَشَف كله، وهم يعلمون أنهم لا يفهمونه ولا فرفوريوس نفسه».

ثم ارتقى الشيخ فاقتبس من حكمة الإشراق أهم مسائل الإلهيات، ورجّحها في ذلك على حكمة المشائين، ولقّب حكمة الإشراق بالحكمة المتعالية، وضمّ إليها ما هو من فيوضات عقله ومنتجات أقيسته وآثار حَدْسه وكشفه، فاجتمعت له من مدرسة الحكمتين طريقة جديدة في الحكمة خاصة به، وشارف بذلك أن تكون له حكمة جديدة. وقد نحا في صنعه هذا منحى حكماء الإسلام في الطب والكيمياء والفلك والجغرافيا، وهي الطريقة التي تدعى طريقة التصحيح والتفريع، وأحسب أن الشيخ أول من نحا هذا المنحى في الفلسفة. بيد أن الطريقة التي توخّاها إنما يظهر مفعولها نافعاً في خصوص علم ما وراء الطبيعة وهو الكلي والإلهي، إذ قد يجدي الذوق والإشراق في هذا العلم ولا يظهر لها نفع في العلوم التي أدلتها البراهين. ومن شاء أن يظهر له هذا جلياً فليطلبه من مباحث الأجرام السماوية وحركاتها من «كتاب الإشارات».

الحكمة المشرقيـــــة

تحيّر الباحثون في ماذا يراد بالحكمة المشرقية، فإن الشيخ يذكر في كتبه طائقة (المشرقيين) حتى ظنت ظنون أن الحكمة المشرقية هي عين حكمة الإشراق، وقد تعرض الذين ترجموا حياة الشيخ في جريدة أسماء كتبه أنه ألّف كتاباً سماه «الحكمة المشرقية»، وألّف «نقض الحكمة المشرقية»، وكتاباً سماه «الإنصاف بين المشرقيين والمغربيين»، كل هذه من الكتب الثابتة النسبة إلى الشيخ، ذكرها تلميذه أبو عبيد الجوزجاني الذي كان أشد الناس ملازمة للشيخ ونقلها عنه مترجموه. فأما كتاب «الحكمة المشرقية» فقالوا: إنه لم يتمّه. وأما «نقض الحكمة المشرقية» فلا يُعرف. وأما كتاب «الإنصاف» فانتهبه عساكر السلطان مسعود في اليوم التالي الذي وصل فيه السلطان إلى أصفهان في جملة ما انتهبوه من رحل الشيخ ابن سيناء فلم يوقف له على أثر بعد.

ونحن هيأنا لك فيما قدّمناه مفتحاً تتعرف منه كيف تولّدت الحكمة المشرقية للشيخ ابن سيناء، فالحكمة المشرقية طريقة من الحكمة تغايرها الحكمة المغربية، فليست هي حكمة الإشراق لأن تلك تقابلها الحكمة المشائية. والحكمة المشرقية لا تعتزي إلى اليونان لأن الشيخ قال في مقدمة الكتاب الذي هو موضوع بحثنا والذي سنتحدث عنه أخيراً ما نصه: «ثم قابلنا جميع ذلك بالنّمَط الذي يسميه اليونان: المنطق، ولا يبعد أن يكون له عند المشرقيين اسم غيره». ولأن الشيخ قد ألف كتاباً سمّاه «الإنصاف بين المشرقيين والمغربيين». فعلمنا من جميع ذلك أنه يعني بالمغربيين اليونان، وأنه يعني بالمشرقيين غيرهم، وعلمنا أيضاً أن المشرقيين قوم يسكنون شرق بلاد اليونان، فعلمنا إذن أنه لا يريد بالحكمة المشرقية الحكمة المصريّة القديمة التي هي من أمهات الحكمة اليونانية، إذ تعلّم فيها سائر الحكماء من طاليس إلى أفلاطون؛ لأن الحكمة المصرية القديمة تلاشت، ولا يعني الحكمة المصرية الحديثة وهي الإسكندرانية المنسوبة إلى البطالسة؛ لأنها شعبة من الحكمة اليونانية، ولا يريد حكمة أهل «سيرينييك» أي بَرْقَة القديمة التي تعلّم فيها أفلاطون وارستيب، ولا حكمة بلاد إيطاليا التي تعلم فيها فيثاغورس؛ لأن هذه الأقطار غرب لبلاد اليونان. فلم يبقَ إلا أن يكون المشرقيون إما الهنود وإما الفرس، لأن هاتين الأمتين كانتا أمتي حكمة. فالشيخ لا يريد الهنود؛ لأن حكمة الهند لم يترجم منها إلا قليل في التربية الرّمزية، مثل «كليلة ودمنة»، وجمل منقولة في معنى بلاغة الكلام. أما الفرس فقد كانت له حكمة واسعة، وظهر منهم أساطين فيها من عهد معلِّم الحكمة الأول عندهم وهو كيومرث، ثم انتقلت بتوالي الأزمنة إلى زرادشت وتلميذَيه جاماسب وفرشاوشير وإلى بزرجمهر، غير أن الحكمة الفارسية لم تصل إلى عصر الشيخ منتظمة مدونة، ولم يبق للفرس بعد انقراض ملكهم من آثار حضارتهم العلمية إلى بقية كتب الدين، مثل «كتاب الزند» لزرادشت الذي هو كتاب ديانة المجوس، وهم فئة قليلة حينئذٍ ببلاد الفرس. قال قطب الدين الشيرازي في «شرح الإشراق»: «وقد أتلفت حكمتهم - يعني الفرس - حوادث الدهر، وأعظمها زوال الملك عنهم، وإحراق الإسكندر الأكبر من كتبهم وحكمتهم» فليست الحكمة المشرقية فيما أرى سوى ما فاض به عقل الشيخ من المعارف والأذواق التي مَحّص بها كلتا الحكمتين الإشراقية والمشائية، وأخذ من خلاصتها مصححات قيّمة كما قدمناه لك، وأضاف إليها ما بلغ إليه من تراث الحكمة الفارسية أصولاً قليلة مما تناقلته الأفاضل بطريق التلقين، وإذ كانت لم تصل إليه الحكمة الفارسية متناسقة اضطُر إلى تخيّلها وترسّمها بما أمكنه، ثم مزج ذلك ببعض ما لأهل التصوف الإسلامي من الأذواق والكشوفات، مما شهد بصحته العقل السليم، وخوَّلَه ذلك أن فنّ التصوف أثر مشرقي رُكِّب على قواعد الزهد الإسلامية، ثم رصّعها الشيخ ببراهينه وبلاغة تعبيره، ويشهد لذلك أنه عدَل في «كتاب الإشارات» عن بعض المصطلحات الفلسفية، وعوّضها بالمصطلحات الصوفيّة، مثل التعبير عن الحكيم بالعارف، ومزج الشيخ بن حكمة الإشراق والحكمة الفارسية، فركّب منهما الحكمة المشرقية؛ إذ كانت حكمة الإشراق أقرب إلى الحكمة الفارسية من الحكمة المشائية، قال الشيرازي في «شرح حكمة الإشراق»: «وكان اعتماد الفارسيين في الحكمة على الذوق والكشف، وكذا قدماء اليونان، خلا أرسطو وشيعته، فإن اعتمادهم على البحث والبرهان»، وقال في ذكر عِلم الفُرس: «وهو بعينه ذوق فضلاء اليونان، وهاتان الأمتان متوافقتان في الأصل».

وأحسب أن مسائل النمط التاسع والنمط العاشر من «كتاب الإشارات» هو ما يعنيه الشيخ ابن سينا بالحكمة المشرقية، فإن «كتاب الإشارات» هو آخر ما ألّفه الشيخ كما صرّح به الصَّفَدي في «الوافي والوفيات».

وقد وجدت من كلام الحكيم أبي بكر ابن الطفيل الأندلسي موافقاً لي على هذا الحسبان، فإنه قال في صدر «رسالة حي بن يقظان»: «سألتَ أيها الأخ . . . أن أبثّ إليك ما أمكنني من أسرار الحكمة المشرقية التي ذكرها الشيخ . . الخ» ثم ذكر كلاماً لأبي بكر بن باجة في طريق تحصيل العلم، ثم قال عقِبه: «وهذه الرتبة التي أشار إليها أبو بكر ينتهي إليها بطريق العلم النظري والبحث الفكري، وأما الرتبة التي أشرنا إليها نحن أولاً فهي غيرها، وإن كانت إياها بمعنى أنها لا ينكشف فيها أمر على خلاف ما انكشف في هذه، وإنما تغايرها بزيادة الوضوح والمشاهدة». ثم ذكر كلام الشيخ في «الإشارات» في أحوال العارفين ثم قال: «فهذه الأحوال التي وصفها إنما أراد بها أن تكون ذوقاً على سبيل الإدراك النظري المستخرَج بالمقاييس وتقديم المقدمات» أهـ.

وقال الشيرازي في ديباجة «شرح الإشراق»: «ليس كل العلوم تحصل بالقيل والقال، بل منها ما لا يحصل إلا بتلطيف السِّر والحدس من الأحوال، وعلى هذا نبه الشيخ الرئيس في مواضع من «الإشارات» بقوله: تلطّف من نفسك. وقوله: فاحدس من هذا، وأمثالهما». فهذان الحكيمان يوجها في بيان حكمة ابن سيناء إلى «كتاب الإشارات».

خفتت الحكمة المشرقية بخمود تلك النفس المشعة، نفس الشيخ أبي علي رحمه الله، حتى جاء الشهاب السهرودي فترسم طولها، وبنى على أسوسها، ودل على امتزاجها بحكمة الإشراق في مواضع من كتابه المسمى «حكمة الإشراق» فقال: «وعلى هذا - أي على سلوك طريقة الرّمز - انبنت قاعدة الشرق في النور والظلمة التي كانت طريقة حكماء الفرس، وهي ليست قاعدة كَفَرة المجوس وإلحاد ماني وما يفضي إلى الشرك بالله تعالى»، وسمى حكماء الفرس بحكماء الشرق فقال في مقالة التناسخ: «وهي أي الصيصية أول منزل للنور الأسفهيد على رأي حكماء الشرق»، وعنى بحكماء الشرق حكماء الفرس، لقوله في موضع آخر: «وبالنار والنفس تتم الخلافتان الصغرى والكبرى فلذلك أمر الفرس بالتوجه إليها فيما مضى من الزمان». وقال أيضاً: «والأضواء المبثوثة ينابيع الخرة والرأي التي أخبر عنها زرادشت، ووقع خِلْسة للملك الصديق كيخسرو المبارك فشاهدها، وحكماء الفرس متفقون على هذا، وهي الأنوار التي أشار إليها (أنبادقليس) وغيره» ولما ذكر السهروردي الشمس وفضلها على الكواكب قال الشيرازي في «شرحه»: «ولهذه الفضائل والكمالات ذهب أرباب المكاشفات العقلية وأصحاب المباحث الشرقية من حكماء الشرق إلى وجوب تعظيمه» وهو يعني حكماء الفرس لأنهم عبدوا الشمس بعنوان كونها رب النور، وتسمى بهذا الاعتبار (رخش). وقال الشيرازي في موضع آخر: «إن المصنِّف - يعني السهروردي - قد أحيا كلِمهم ومذاهبهم - أي الفرس - في هذا الكتاب، وقد أتلفَت حكمتهم حوادث الدهر وأعظمها زوال الملك عنهم، والمصنِّف لما ظفر بأطراف منها ورآها موافقة للأمور الكشفية الشهودية استحسنها وكملها».

وقد يعني السهروردي بالمشرقيين جميع حكماء الشرق من فرس وبابليِّين وهذه، وقد وقفت له على هذا الإطلاق في قوله: «فكذا الغاسق مشتاق إلى النور، قال يوذاسف ومن قبله من المشرقيين: إن باب الأبواب لحياة جميع الصياصي العنصرية الصيصية الإنسية».

فبان لنا أن السهروردي اقتبس طريقة الحكمة المشرقية من الشيخ ابن سيناء، وأن طريقته تمتاز عن طريقة الشيخ بالتصريح ببعض قواعد رياضة النفس عند المشارقة، وبإيداع الكلمات الفهلوية في قواعد الحكمة كما سمى النور الفعّال في الأرض، والمعادن باسم (إسفندارمز). وسمى النفس الناطقة (أسفهيد)، وسمى جبريل (روانبخش). وسمى الشمس (خرة). وسمى الشمس في بعض المواضع (رخش).

ولنصر الدين الطوسي في «شرح الإشارات» وللقطب الشيرازي في «شرح حكمة الإشراق» تكملات لحقائق من الحكمة المشرقية. ولعلّنا نتعرض في مقال آخر إلى ما أودعه المشايخ الأربعة من الحكمة المشرقية البحتة في مطاوي حكمة الإشراق. فهأنذا قد أريتك نموذجاً من الحكمة المشرقية، وأشهدتك مبناها ومراد من توخّاها من بين رامزٍ وصريح، وعساك تتفطّن للسبب الذي لأجله لم يستقر منها مما كتبه الشيخ ولا عرف له طريق خاص تمتاز به، وأنها نشأت ملفّقة مخلوطة ثم انقرضت غير مدروسة ولا مخطوطة.

ولقد حقق لديك أن الشيخ الرئيس هو الذي أدخل على الحكمة طريقة محدثة لم تكن معهودة، فصال عمله مبدأ طور جديد في تاريخ الحكمة الإسلامية كانت تكون أوسع لولا أن عاجلته المنية، فكنا نراها طريقة ثالثة مخطوطة مسلوكة، ولا يقتصر مقدار ما وصلَنا منها على مقدار ألوكة.
الكتاب المعَنْوَن « منطق المشرقيين ».

إنني لأعجب من تسمية الكتاب الذي حَدّثت عنه في أول المقال باسم «منطق المشرقيين» على حين لا ألفى هذا الاسم من بين ما ينسب إلى الشيخ من التصانيف. ثم يرتقي بي العجب من إضافة منطق إلى المشرقيين، على حين نجد الشيخ ومتابعيه مصرِّحين بأن الحكمة المشرقية وليدة الكشف والذوق، وليس المنطق إلا أساس الحكمة البحثية، وهو من وضْع إمام تلك الحكمة أرسططاليس. فمن أجل ذلك أيقنت أن هذه التسمية تسمية ملصقة وباطلة.

أما الذي أراه في شأن هذا الكتاب فهو أنه قطعة من كتاب «ما يوصل إلى علم الحق» أحد تصانيف الشيخ المعدود في جريدة تآليفه؛ لأنا نجد في ديباجة هذا الكتاب أنه ألّفه «فيما اختلف فيه أهل البحث وأنه لم يلتفت فيه لِفْت عصبيةٍ أو هوى أو عادة أو إلف». وقدّمه بمقدمات من المنطق رعياً لعادتهم في افتتاح كتب الحكمة، ولأنه قصد أيضاً تحرير مسائل المنطق، قال في ديباجته: «نريد أن نورد فيه العلم الآلي والعلم الكلِّي، والعلم الإلهي والعلم الطبيعي الأصلي»، وذكر أنه ألّفه بعد «كتاب الشفاء» وفي مدة اشتغاله بتأليف «كتاب لواحق الشفاء»، إذ قال في ديباجته: «وأما العامة من مزاولي هذا الشأن فقد أعطيناهم في «كتاب الشفاء» ما هو لهم وفوق حاجتهم، وسنعطيهم في «اللواحق» ما يصلح لهم زيادة على ما أخذوه».

والمقدار المنشور بالطبع من هذا الكتاب هو قطعة من علم المنطق فيها مباحث الدّلالات، والمفرد والمركب، والتعريفات، والقضايا، والتناقض، وانتهت في أواخر مباحث التناقض انتهاءاً يدل على أنه غير متعمد، فالظاهر أن الكتاب أُصيب بخرم أو تفريق فتلِف آخرُه.

وما احتوى عليه هذا المقدار من مسائل المنطق لا يختلف عما تتضمنه متوسطات كتب المنطق. ويُلاحظ أن طريقته تختلف اختلافاً ما عن طريقة المنطقيين بتميّز هذا الكتاب أولاً بمحاولة نقض بعض المصطلحات المشائية في المنطق بما هو أوضح وإن كان لا يخالف المعنى.

وثانياً: بمخالفة ترتيبه لترتيب المعتاد، ومثال ذلك أن ما يسميه المناطقة (شروطاً) يجعله الشيخ في هذا الكتاب امتحاناً للقواعد على نحو طريقة علم الحساب في امتحان العمليات.

وثالثاً: بأنه خالف في تعقّل الحقائق المنطقية طريقة المنطقيين فيما ظهر له أنهم قصّروا فيه، مثال ذلك أن المنطقيين إذا تكلّموا عن الكليات الخمسة التي لا يخلو عن تعقّل بعضها كل تعقل لحقيقة شيء من الأشياء (وهي الجنس، والفصل، والنوع، والخاصة، والعَرَض) فإنهم يتكلمون عليها بما يفيد تعقّلها من حيث هي صالحة للوقوع في الأقوال الشارحة للحقائق (أي المعرِّفات)؛ لأن معرفة الحقائق هي أساس الفلسفة، فلذلك كانوا يقسِّمون الكلي باعتبار صلاحية وقوعه في جواب سؤال سائل (أي متطلّب لشرح حقيقةٍ ما) فيقولون مثلاً: «الجنس هو المقول في جواب ما هو على كثيرين مختلفين بالحقيقة»، ونجد الشيخ سلك في هذا الكتاب إلى تقرير مبحث الكلّيّات من نهج آخر، وهو نهج تعقلها بأوصافها الثابتة لها من حيث هي هي، بقطع النظر عن صلوحيتها للوقوع في الأقوال الشارحة - أعني بوصف كونها مواهي وحقائق متعلقة في نفسها، سواء وقعت في القول الشارح أم لم تقع - فلذلك قسّمها في هذا الكتاب باعتبار كونها مقومة لحقيقة ما وغير مقومة، أو باعتبار كونها ملازمة لحقيقةٍ ما وغير ملازمة. والطريقتان متآيلتان، والشيخ لم يعلل وجه مخالفته الطريقة المشهورة.

وأنا أظن أنه قصد من ذلك أن العلم بالكليات الخمسة هو في ذاته علم بحقائق كثيرة الجدوى على الحكيم (فإن منها المقولات وهي الأجناس العالية للموجودات) ووجه العلم بالكليات في الطريقتين إنما هو بالرسم، أعني تعريف الماهية بلوازمها، فإن كون الكلي واقعاً في الجواب أو كونه مقوّماً وغير مقوم، أو لازماً وغير لازم، كل ذلك من التعريف باللازم، إلا أن تعقل الكلِّي من حيث إنه مقوم وغيره، أو لازم وغيره أقرب إلى ذاتية الكلي من تعقله من حيث إنه واقع في جواب، فهذا نموذج من تدقيقات الشيخ في تمحيص أساليب الحكمة. ولا شك أنه ما تفرغ إلى محاولة تهذيب الأساليب إلاّ بعد أن مَرِس بالحكمة مِراساً، وحُقّ له أن يلقّب فيها شيخاً ورأساً.

كتب هذا الموضوع بتاريخ 15/3/2006

 الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للثقافة والعلوم.

20-05-2008 الساعة 08:06 عدد القراءات 7966    

الإسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

تعليقات القراء 1 تعليق / تعليقات

عمرو تريسي: شكر

18-11-2010 | 18-20د

بالحقيقة أعجبني جدا هذا النوع من الفلسفة لأنه يقف موقف الوسط بين المتصوفين وأصحاب النظر شكرا لجهودكم

جميع الحقوق محفوظة لدار الأمير © 2022