الصفحة الرئيسة البريد الإلكتروني البحث
سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي
الصفحة الرئيسة اّخر الإصدارات أكثر الكتب قراءة أخبار ومعارض تواصل معنا أرسل لصديق

جديد الموقع

سيّد الاستثناء النضيرالهبوط الآمن في صحراء شريعتيعلي شريعتي/ العرفان الثوريهبوط في الصحراء مع محمد حسين بزيهوية الشعر الصّوفيالمقدس السيد محمد علي فضل الله وحديث الروحعبد المجيد زراقط في بحور السرد العربيقراءة في كتاب التغيير والإصلاحبرحيل الحاجة سامية شعيب«إحكي يا شهرزاد» اهتمام بشؤون المرأة المعاصرةالنموذج وأثره في صناعة الوعيتبادل الدلالة بين حياة الشاعر وحياة شخوصهالشيعة والدولة ( الجزء الثاني )الشيعة والدولة ( الجزء الأول )الإمام الخميني من الثورة إلى الدولةالعمل الرسالي وتحديات الراهنتوقيع كتاب أغاني القلب في علي النَّهريحفل توقيع كتاب أغاني القلبإصدار جديد للدكتور علي شريعتيصدور كتاب قراءات نقدية في رواية شمسحريق في مخازن دار الأميردار الأمير تنعى السيد خسرو شاهيإعلان هامصدر حديثاً ديوان وطن وغربةعبد النبي بزي يصدر ديوانه أصحاب الكساءتوزيع كتاب هبوط في الصحراء في لبنانإطلاق كتاب هبوط في الصحراءصدور هبوط في الصحراءمتحدِّثاً عن هوية الشعر الصوفينعي العلامة السيّد محمد علي فضل اللهندوة أدبية مميزة وحفل توقيعاحكي يا شهرزاد في العباسيةفي السرد العربي .. شعريّة وقضايامعرض مسقط للكتاب 2019دار الأمير تنعى د. بوران شريعت رضويالعرس الثاني لـ شهرزاد في النبطيةصدر حديثاً كتاب " حصاد لم يكتمل "جديد الشاعر عادل الصويريدرية فرحات تُصدر مجموعتها القصصيةتالا - قصةسِنْدِبادِيَّات الأرز والنّخِيلندوة حاشدة حول رواية شمسندوة وحفل توقيع رواية " شمس "خنجر حمية وقّع الماضي والحاضرمحمد حسين بزي وقع روايته " شمس "توقيع رواية شمستوقيع المجموعة الشعرية قدس اليمندار الأمير في معرض بيروتتوقيع كتاب قراءة نفسية في واقعة الطفدار الأمير في معرض الكويتمشاكل الأسرة بين الشرع والعرفالماضي والحاضرالفلسفة الاجتماعية وأصل السّياسةتاريخ ومعرفة الأديان الجزء الثانيالشاعرة جميلة حمود تصدر دمع الزنابقبيان صادر حول تزوير كتب شريعتي" بين الشاه والفقيه "محمد حسين بزي أصدر روايته " شمس "باسلة زعيتر وقعت " أحلام موجوعة "صدر حديثاً / قراءة نفسية في واقعة الطفصدر حديثاً / ديوان جبر مانولياصدر حديثاً / فأشارت إليهصدر حديثاً / رقص على مقامات المطرتكريم وحفل توقيع حاشد للسفير علي عجميحفل توقيع أحلام موجوعةتوقيع ديوان حقول الجسدباسلة زعيتر تُصدر باكورة أعمالهاالسفير علي عجمي يُصدر حقول الجسدصدر حديثاً عن دار الأمير كتاب عين الانتصارجديد دار الأمير : مختصر كتاب الحج للدكتور علي شريعتيصدر حديثاً كتاب دم ابيضاصدارات مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي

أقسام الكتب

مصاحف شريفة
سلسلة آثار علي شريعتي
فكر معاصر
فلسفة وتصوف وعرفان
تاريخ
سياسة
أديان وعقائد
أدب وشعر
ثقافة المقاومة
ثقافة عامة
كتب توزعها الدار

الصفحات المستقلة

نبذة عن الدار
عنوان الدار
About Dar Al Amir
Contact Us
شهادات تقدير
مجلة شريعتي
مواقع صديقة
هيئة بنت جبيل
اصدارات مركز الحضارة

تصنيفات المقالات

شعراء وقصائد
قضايا الشعر والأدب
ريشة روح
أقلام مُقَاوِمَة
التنوير وأعلامه
قضايا معرفية
قضايا فلسفية
قضايا معاصرة
الحكمة العملية
في فكر علي شريعتي
في فكر عبد الوهاب المسيري
حرب تموز 2006
حرب تموز بأقلام اسرائيلية
English articles

الزوار

13213342

الكتب

300

القائمة البريدية

 

الوعد الصادق : "تجذير الثلاثيات المفقودة"

((أقلام مُقَاوِمَة))

تصغير الخط تكبير الخط

الوعد الصادق : "تجذير الثلاثيات المفقودة"

بقلم: سماحة الشيخ منذر آل فقيه - monzeralfakeh_597أستاذ في الحوزة العلمية

 مواضيع البحث:

أُشمولة الأحداث الميدانية

ثلاثية الانتصار

ثلاثية "الخلفية الإيمانية، والإعداد، والقيادة الحكيمة"

ثلاثية المقاوم "المقاوم المجاهد، المقاوم الصامد، المقاوم الرَّافد"

ثلاثية علي شريعتي "المنهج، الإيمان، التضحية"

ثلاثية في مقابل ثلاثية

ثلاثيّة الثلاثيّات "العلم، والإرادة، والقدرة"

أما قبل:

ففي يوم الأربعاء 12 تموز 2006، أسرت المقاومة الإسلامية جنديين إسرائيليين في عملية نوعية مميزة تخطيطاً وتنفيذاً، أطلق عليها المقاومون اسم "الوعد الصادق".

وجاء الاسم منطبقاً على واقع الكلام الذي أطلقه سماحة الأمين العام لحزب الله في أكثر من مناسبة والذي أعلن فيه أن الأسرى اللبنانيين سيعودون إلى وطنهم في وقت قريب "جداً جداً".

ومن المعلوم أن عودة الأسرى المحتجزين لدى العدو لا يمكن أن تتم إلا في إطار التبادل، لأن هذا العدو تعوّد وعوّد الآخرين بأنه لا يفهم إلا لغة القوة مقابل القوة، والأسر مقابل الأسر، وسياسة الردع وتوازن الرعب في ميادين الحرب والمواجهة. وبناء عليه كان كلام الأمين العام بمثابة "وعد" أخذ يلوح في الأفق ويرسم معالم عملية أسر ستتم في القريب العاجل.

وجاء المجاهدون في المقاومة ليترجموا هذا الوعد عملياً بتاريخه أعلاه، فكانت عملية الأسر، وصدق "الوعد" لتتحول العملية برمتها إلى "الوعد الصادق".

جاء الوعد، وصدق العهد، والمؤمنون عند وعودهم وعهودهم صادقون ما داموا مؤمنين، فلا يوجد انفكاك أو تفكيك في هذه القضية، فالموضوع هو المحمول، والمحمول هو الموضوع، والقضية منطقية بامتياز لا تعترضها شبهة ولا يكتنفها ريب أو شك.. اللهم إلا إذا فقد الفرد "شيفرة" الإيمان التي تفتح ما استغلق من الأقفال، فحينئذ لا سبيل أمام مَن فقد هذه "الشفرة" إلا أن يرمي بأفكاره ومعتقداته في سلّة "الانطعاج الفكري" أو "الانبعاج الذهني" حيث لا علاج يُرتجى للمرايا المقعّرة أو المحدبة إلا بكسرها وإعادة صياغتها من جديد، وهذا متعذّر في الفرد الإنساني والتاريخ خير شاهد.

إذاً، أسيران صهيونيان في قبضة المقاومة، والمطلوب هو تبادل غير مشروط للأسرى، ومن حاول أن يستعيد الأسرى بغير هذا الشرط فهو "واهم، واهم، واهم".

وتداعت الأحداث، وتطورت حركة ردود الفعل، وما عتم أن أخذ الصهاينة قراراً كان مبيّتاً ومعدّاً سلفاً لعملية اعتداء واسعة على لبنان هدفها "كسر" حزب الله وتجريده من سلاحه وغير ذلك من أهداف مُعلنة وغير معلنة.

مرحلة جديدة من مراحل الصمود والتصدي بدأت في اليوم التالي من أسر الجنديين الصهيونيين، حيث أنتجت هذه المرحلة وعلى مدى أربعة وثلاثين يوماً من القتال الشرس الضاري، نصراً مؤزراً لصالح المقاومة الباسلة تجسدت في تراجع الراعي الرسمي للحرب وأداتها ـ أي أمريكا والعدو الصهيوني ـ عن مجمل الأهداف التي أعلنوها في بداية الحرب وخلالها، وتمّ ذلك التراجع على وقع وجبات الصواريخ المنتظمة التي تساقطت على "المغتصبات" الصهيونية في فلسطين المحتلة والمواجهات البطولية الأسطورية على امتداد قرى المواجهة، وعلى منظر أرتال دبابات "الميركافا" المحترقة والتي تنتمي إلى الجيل الرابع، أي أحدث طراز من هذه الدبابات التي تُعتبر بحسب التصنيف العسكري من الطراز الأول عالمياً.

انتصرت المقاومة.. نصراً إعجازياً من ناحية الحسابات الدنيوية.. ونصراً عادياً لناحية الحسابات الأخروية..

أما الحسابات الدنيوية:
فإن الذين حسبوها بالأرقام، لم تسعفهم حسابات الأرقام..
والذين حسبوها في الميدان لم تسعفهم حسابات الميدان..
والذين حسبوها في العتاد لم تسعفهم حسابات المعدات..

حسابات الأرقام والميدان والعتاد، لم تكن في صالح المجاهدين المقاومين، فكيف قاوموا وكيف حققوا الانتصار؟
هنا، يأتي الإعجاز من ناحية الحسابات الدنيوية. لأن القانون المادي يقول بأن الذي يملك أشياء أكثر ومتطورة بصورة أكبر هو الذي ينتصر على مَن يملك أشياء أقل..
ولكن العكس تحقّق.. وهذا إعجاز.

وفي المقابل، كان النصر عادياً لناحية الحسابات الأخروية.. لأن المقاومين يعتقدون أن النصر من عند الله القوي العزيز.
فهم قد حققوا الشرط الأول من معادلة النصر وهو "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ..".. فنصروه وأمعنوا في الانتصار له..
وبقي جواب الشرط منوطاً برب العالمين الذي لا يُخلف وعداً أو عهداً، فكان جواب الشرط "يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"..
نعم.. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد:7).
فالنصر في حسابات المؤمنين الأخروية، هو نصر عادي، يتألف من قضية شرطية فيها شرط وجواب الشرط، فإن تحقّق الشرط ترتّب جوابه قهراً، فهو إذاً نصر محتوم، ومن هنا نفهم ما جاء على لسان الأمين العام لحزب الله من أن النصر "آتٍ آت آت".

القضايا الإيمانية تتخادم، فإذا التزم الإنسان المؤمن بقضية إيمانية! قامت القضية الإيمانية بخدمته وقدّمت له أثراً وضعيّاً جعله الله تعالى ملازماً لا ينفك عن تلك القضية الإيمانية.
فصلة الرحم كقضية إيمانية، يترتب عليها إطالة عمر مَن التزم بها وتزيد في رزقه..
والصدقة كقضية إيمانية، تدفع البلاء عن فاعلها وتزيد في رزقه..
وأن تنصر الله تبارك تعالى أيها المؤمن هو قضية إيمانية، يترتب عليها أن ينصرك الله تعالى ويدافع عنك "وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج:40) .. وغير ذلك كثير كثير.

اليوم، وفي زمن المقاومين الشرفاء ـ أعاذنا الله وإياكم من زمن التعليب والمعلّبات الأمريكية الصهيونية ـ تمّ تجسير العلاقة بين الدنيا والآخرة كحقيقة واقعية، ولم تعد الدنيا والآخرة ضرّتين كما كانتا في الماضي، وإنما هما اليوم شقيقتان، تختلفان اختلاف مقدار، وتؤدي إحداهما للأخرى فوراً..

هذا يوم تحقيق: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"(غافر: من الآية60)، فليس بين العبادة والاستجابة مسافة.. ومعرفة العارفين تقول: إن الله أكرم من أن تعامله حاضراً ويعاملك نسيئة.. تعبده اليوم ويؤتيك أجرك فقط في الآخرة.. ألم يأمر هو في شريعته بأن نعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه!؟ فكذلك أجر الله على العمل، فإنما هو على الفور، والتو.. هو "هاك بهاك".. وهذا معناه أن ما يكون تمامه في الآخرة، يبدأ اليوم.. ففي الآخرة يوفيك الله تعالى أجرك كاملاً.. قال تعالى، في هذا المعنى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (التحريم:8).. قولهم: “ربنا أتمم لنا نورنا” يشير إلى أنهم قد بدأت أنوارهم في الدنيا، وهم إنما يطلبون تمامها في الآخرة.

زاوج المقاومون بين الدنيا والآخرة وجسّروا العلاقة بينهما تجسير توافق لا تباين فيه، فكان الأثر الوضعي يترتب على أعمالهم في الدنيا قبل أن يلاقوا ربهم في الآخرة ليوفيهم أجورهم كاملة.

وقبل أن أنتهي من "أما قبل" لأدخل في "أما بعد" أي في تجذير الثلاثيات الغائبة أو المغيّبة والتي حققّها المجاهدون بسواعدهم وعطاءاتهم وصمودهم، أود أن أستعرض أُجموعة من الأحداث رصدتُها من موقع المراقب العادي وليس من موقع الخبير السياسي أو العسكري، وأهدفُ من خلالها إلى تأسيس المعطيات الميدانية حتى لا تغيب الحقائق عن أذهان القراء أثناء قراءتهم للثلاثيات الغائبة عن حياة الأمة.

أُشمولة الأحداث الميدانية:

في 25 أيار 2000 خرجت القوات الإسرائيلية المحتلة من جنوب لبنان تحت ضغط المقاومة. ومنذ تلك اللحظة كان هناك عمل على الجانبين..

الإسرائيلي بدأ بالتخطيط لعملية يستهدف منها التخلص من المقاومة الإسلامية اللبنانية والقضاء على حزب الله، وفرض اتفاقية سلام، وإخراج لبنان من معادلات التوازن بين العرب والعدو الإسرائيلي، والسعي لربط لبنان بدول البحر المتوسط.

وبدأت أولى مراحل التخطيط عملياً في أيار 2001.. ثم جرت تعديلات على الخطة الإسرائيلية تباعاً، إلى أن اكتملت ملامحها في تشرين الثاني 2005، وأقرّها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون.

في آذار من العام الحالي 2006، بدأت دراسة تفصيلية لأبعاد الخطة.. ثم جرى في شهر أيار 2006 مشروع تدريبي في وزارة الحرب الإسرائيلية لتنفيذ هذه الخطة، وشارك في هذا المشروع ضباط أمريكيون من ضباط العمليات والمخابرات المركزية ومخابرات الدفاع في الولايات المتحدة.

وباشتراك الضباط الأمريكيين وُضع ما أُطلق عليه "خطة الأهداف الإيرانية"، أي الأهداف التي سيتم قصفها في لبنان والوسائل التي ستستخدم في هذا القصف، وكميات وأنواع الذخائر التي ستستعمل في عمليات القصف النيراني.. وهذا تم خلال شهر أيار 2006.

وخلال هذا الشهر اتفق الأمريكيون والإسرائيليون على أن المدة المناسبة لتنفيذ هذه الخطة ضد حزب الله هو ثلاثة إلى أربعة أسابيع، وأن الوقت المناسب لتنفيذها هو شهر تشرين الأول أو تشرين الثاني من العام الحالي.. وبالفعل، بدأت الولايات المتحدة بالإسراع في إرسال بعض الذخائر إلى "إسرائيل" اعتباراً من شهر أيار 2006.

وهناك معلومات لم ترددها وسائل الإعلام، أشارت إلى أن الولايات المتحدة أرسلت في أوائل شهر حزيران إلى "إسرائيل" مئة قنبلة موجهة من نوع "جي بي يو 28" ومئة رأس اختراق "بي إل يو 113 إي بي"، وفي نفس الشهر أرسلت أمريكا قطع غيار لخمسة وعشرين طائرة "إف 15 آي"، ونحن نعلم أن الولايات المتحدة كانت قد أرسلت 102 طائرة "إف 16" إلى "إسرائيل" في الفترة بين عاميْ 2001 و 2005..

وأكثر من ذلك، جرت مراجعة خطة الأهداف النيرانية الجديدة ـ كما أشار الكاتب الاستراتيجي الأمريكي "دين ماديسون"ـ جرت يومَيْ 17 و 18 حزيران من العام الحالي في ولاية "كولورادو"، وهذا يعني أن الولايات المتحدة كانت متفقة مع "إسرائيل" على ضرب البنية الأساسية اللبنانية وتدميرها تدميراً كاملاً وبالتالي حصار لبنان ومحاولة التخلص من المقاومة وتركيع الشعب اللبناني وقصم ظهر العلاقات الأمنية بين سوريا ولبنان.

وهنا نذكّر بأنه عندما صدر القرار 1559، هذا القرار الذي صدر بتواطؤ فرنسي – أمريكي، عندما صدر هذا القرار كانت الدول العربية تتعجل في دفع القوات السورية للخروج من لبنان، وإذا كان خروج هذه القوات أمراً محموداً لعدّة عوامل سياسية في رأي البعض! فإن خروج الدفاع الجوي السوري من لبنان كان مسألة غريبة بكل المقاييس العسكرية، حيث كان لسوريا في لبنان 30 كتيبة صواريخ دفاع جوي، وبخروجها تُرك لبنان من دون أي وسيلة للدفاع الصاروخي ضد الطيران المعادي، وكانت السماء اللبنانية مكشوفة، والعدوان كان رماية حيّة على الأهداف المدنية والبشرية من دون مقاومة، والجيش اللبناني لم يكن يملك إلا عدداً من مواسير المدفعية المضادة للطائرات ونسبة إصابتها للطائرات لا تتجاوز ثلاثة إلى خمسة بالمئة ولم تسقط طائرة واحدة، والذي سقط للعدو في الحرب هو أربع طائرات هليكوبتر: اثنتان اصطدمتا في الجو، واثنتان أسقطهما حزب الله: واحدة بصاروخ أرض – جو، وواحدة بنيران الرشاشات.

وأكثر من ذلك، فإن الجيش اللبناني لا يمتلك أي دفاع ساحلي، أي ليس لديه مدفع ساحلي واحد. فتدمير مطار بيروت والضاحية الجنوبية تم غالباً بواسطة مدافع القطع البحرية الإسرائيلية، والذي تم تدميره من البحرية الإسرائيلية هو سفينة الصواريخ "ساعر 5" وطاقمها 61 عسكرياً وعليها 2 هليكوبتر، وضُربت بصاروخين سطح-سطح أطلقهما حزب الله ببراعة شديدة على المروحتين فانفجرتا واندلعت الحرائق على متن البارجة، وعدد الخسائر أكثر من أربعة كما أشارت إليه مصادر العدو.. وأغرقت المقاومة زورق دورية سريع "سوبر ديفورا" بواسطة صاروخ بحري واحد.

يُقدّر عدد الجيش اللبناني بـ 72 ألفاً، وعندما بدأت الحرب كان الغياب في صفوفه 12 ألفاً، أي سدس القوات. ويملك الجيش اللبناني من الدبابات 310 دبابة من طراز تي54 و تي55 و إم 48، تعود إلى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.. نصف الدبابات هذه محركاتها عاطلة فهي لا تتحرك، فكل ما لديه هو القليل من الآليات والعربات الفرنسية وبعض مدافع الهاون، وباختصار فإن قدراته محدودة جداً..

في ظل هذه الأوضاع كان هناك ترحيب عربي غريب بخروج القوات السورية من لبنان حيث كان من الممكن استبقاء عناصر الدفاع الجوي، وكان من الممكن أيضاً استبقاء بعض عناصر المخابرات السورية التي كانت مهمتها رصد تحركات العدو الإسرائيلي، ولكن للأسف لم يرضَ بعض العرب ومن ورائهم بعض الأفرقاء اللبنانيين بذلك، فخرجوا جميعاً، ولكن حزب الله نجح في إدارة المخابرات على مستوى استراتيجي لافت، حيث زرع عملاء داخل إسرائيل ساعدوه في إدارة النيران. كما كان لدى حزب الله شبكة قيادة وسيطرة جيدة.

نفّذ الإسرائيليون العمليات طبقاً لخطة "الأهداف الإيرانية" المتفق عليها مع الولايات المتحدة، وتمّ انتهاز عملية "الوعد الصادق" لتقديم موعد العملية التي تم الإعداد لها مسبقاً، فبدأت الحرب البربرية الحقيقية التي كانوا يحسبون بأنهم يستطيعون حسمها خلال ثلاثة إلى أربعة أسابيع.

على الجانب الآخر: لم يكن حزب الله يهدر الوقت، فهو يستعد للمواجهة منذ العام 2000، وهذا تدبير جيّد، وهذا الذي يسمح لنا بالقول بأن السيد حسن نصر الله لم يكن مجرد زعيم لحركة مقاومة كما يتردّد على الألسن أو أن لديه جانب عقائدي ثابت أو أنه قدوة ممتازة عالية الوتيرة من الناحية السلوكية، ولا أن ولده قد استشهد في حرب تحرير الجنوب اللبناني قبل العام ألفين، ولا أن ولده الثاني كان مشاركاً في رد العدوان الإسرائيلي البربري على الجنوب ـ هذا في الوقت الذي يرسل البعض أبناءهم ليتسوّلوا الرضا في البيت الأبيض ـ نقول: ليس السيد حسن كما مر فقط! بل إن السيد هو رجل دولة، أعدّ لمعركة حقيقية وأتى بسلاح حقيقي بل وطوّر هذه الأسلحة، فلم يعتمد على المقذوفات الموجهة المضادة للدبابات كـ "الآر بي جي 7" أو "الآر بي جي 9" المطوّر، وإنما استخدم "الآر بي جي 29" الذي يُعد فخر الصناعات العسكرية الإيرانية، فاستطاع بهذه القذائف أن يخترق درع دبابة "الميركافا 4"، وهذا التحول جعل الإسرائيلي يفكر بجدية وعمق في كيفية تطوير درع الميركافا 3 و 4، بحيث لا يؤثر هذا التطوير على سرعة حركة الدبابة وفي نفس الوقت يسلم الدرع من مقذوفات حزب الله المضادة للدبابات، وأنّى لهم ذلك.

أعدّ حزب الله مقاتليه إعداداً جيداً، وظهر ذلك جلياً من خلال المعارك الميدانية، فالمطلوب عادةً من مقاتلي حرب العصابات أن يقوموا بكمائن وغارات قتال، أن يقوموا بأعمال نسف على الطرق وبأن يقوموا بأعمال إغارات قتال محدودة، ولكن ليست وظيفتهم التصدّي لهجوم مضاد.. ولكن رجال المقاومة لم يعملوا على صد الاختراق الإسرائيلي فقط! بل نفّذوا هجوماً مضاداً، وذلك عندما استولى لواء مدرع إسرائيلي ومعه كتيبة مشاة ميكانيكية وسريتين من سرايا القوات الخاصة وسرية لاستطلاع ما خلف خطوط العدو، استولوا على المربع الذي يمتد من مارون الرأس إلى عيترون إلى بنت جبيل وصولاً إلى تلة مسعود، حيث دخل حزب الله بعناصر مشاة مقاتلين كأفراد لا كمجموعات، وعلى أكتافهم مقذوفات وكمية محدودة من الهاونات وبعض القواذف الصاروخية المحدودة أيضاً، دخل في معركة ليقتلع وجود هذه القوات الإسرائيلية، فدمر للعدو 11 دبابة وأوقع عدداً كبيراً من القتلى والجرحى ولاذ بعض أفراد النخبة الخاصة بالفرار من أرض المعركة. وتركت القوات الإسرائيلية أرض المعركة مجبرة، وبدأت باستخدام ما يُعرف بسياسة الأرض المحروقة فعملت على قصف هذه المنطقة بنيران الطيران والمدفعية وغير ذلك شبراً بشبر، وصممت على معاودة الهجوم بعد ذلك بمجموعات الألوية كما حصل في الأيام الأخيرة من الحرب، وانتهت كل محاولاتهم بالفشل.

كان لدى حزب الله استعداد حقيقي لهذه الحرب، تجلّى في تطويره للمدفعية الصاروخية، وأعد الكثير من المفاجآت التي لم تتوقعها "إسرائيل"، فالعدو كان يتوقع أن لدى حزب الله مدفعية صاروخية من طراز "بي إم 21" أو "بي إم 24" ومداه 22 كيلومتراً إلى 29 كيلومتراً، ولم يعلم أن خط "آراش" استطاع أن يطور بعض أنواع المدفعية الصاروخية ليتعدّى مداها 35 كيلومتراً..

بعض الناس الذين هاجموا سوريا هجوماً شديداً بعد الحرب لم يكونوا ليعلموا أن سوريا هي التي سلّحت المقاومة بصاروخ "رعد1" الذي استخدم في ضرب حيفا والعفولة، وكان لحزب الله صواريخ أخرى لم تستخدم في الحرب وكانت معدّة لضرب تل أبيب وبئر السبع وغيرهما واستعملت كتوازن لمنع ضرب قلب العاصمة اللبنانية وطرابلس..

حزب الله استطاع أن يدرّب عناصره على استخدام هذه الصواريخ وأن يرصد الأهداف الإسرائيلية، ومن الممكن أن نعذر حزب الله لأن نتائج التدمير المادي لم تكن عالية في الداخل الاستيطاني، والسبب في ذلك أن قواذف المقاومة كانت تخرج إلى أرض المعركة لفترة وجيزة من الزمن لأن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية كانت نشطة على مدى 24 ساعة وكذلك كانت هناك الأقمار الاصطناعية، وهناك أقمار أمريكية أيضاً كانت تغطي مساحة المعركة يوماً بيوم، فكانت قواذف الصواريخ تخرج بسرعة وتقذف بسرعة، وحزب الله لديه تجهيزات هندسية عالية في هذا الإطار حيث استخدم الأنفاق الموجودة تحت الأرض بنجاح كبير لناحية الاختفاء والتمويه، وعندما كانوا يتركون إحدى هذه الأنفاق كانوا يغلقون مداخلها بالرمال والسدود الترابية.

استطاع المقاوم أن يخرج من موقعه أو مخبئه أو من النفق، ويضرب، ويعود إلى مكانه فوراً. فهو لا يستطيع أن يبقى مكشوفاً في الخارج لفترة طويلة، وحزب الله يعلم أن الصورة المثلى للحرب هي تجميع النيران على الهدف بحيث تخرج من مصادر نيران عديدة وتضرب على هدف واحد، ولم يكونوا قادرين على تحقيق تركيزات عالية جداً، ولكنهم حققوها عندما كانوا يضربون حشود لواء مدرع في القطاع الغربي من الجنوب والذي كان يستعد لخوض المعركة حيث اعترفت "إسرائيل" بسقوط أربعة عشر قتيلاً جراء هذا الهجوم، والعدو لا يعلن عادة عن خسائره الحقيقية.

فقدت إسرائيل أربعين دبابة ميركافا وهذا رقم محترم لصالح المقاومة، وأربعة طائرات هليكوبتر وسفينتين بحريتين كبيرتين، وزورقاً سريعاً، فهناك إذن خسائر فعلية غير الخسائر البشرية في أرض المعركة وداخل المستوطنات..

اتسع الرّقع على الراقع في الأيام الثلاثة الأخيرة للحرب العدوانية، أي أيام الجمعة والسبت والأحد، فكانت مواجهات وادي الحجير الشهيرة التي ترتّب عليها ما عُرف لدى الرأي العام بمجزرة الدبابات، وهي مجزرة حقيقية خلّفت أسوأ الأثر لدى الإسرائيليين، قادة وجنوداً ورأي عام، بل شكّلت هذه المجزرة والبراعة التي أظهرها المقاومون في إدارتها، شكّلت ثالثة الأثافي في تفكيك نعش سلاح المدرعات الإسرائيلي، ليسقط ثاوياً صريعاً لا حول له ولا قوة، ولا همّ له سوى جرّ أذيال الهزيمة المنكرة التي مُنيَ بها.

هذه الهزيمة استحوذت على اهتمام كبير في أوساط السياسيين الموالين للعدو الصهيوني وعلى رأسهم الولايات المتحدة فبدأت تراجعاتهم تبرز على صعيد المواقف السياسية سريعاً وبوتيرة عالية، حتى أنتجت صياغة القرار الدولي رقم 1701 والذي بذلوا فيه جهوداً غير عادية بل جبارة لحفظ ماء وجوههم بسبب رهانهم الخاسر على آلة الحرب الصهيونية المتطورة من جهة، ولإيقاف الجرح النازف عميقاً في جسد عصابات الجيش الصهيوني الإرهابي من جهة أخرى.
 
يقول علماء النفس: أن الجيل الواحد لا يستطيع أن يحتمل سوى هزيمة واحدة.. وخرجت أصوات لتقول أن العدو الإسرائيلي وعلى مدى جيل واحد وبفترة زمنية متقاربة هُزم ثلاث هزائم.. الأولى في العام 2000 والثانية في مواجهات مارون الرأس وبنت جبيل وتلة مسعود وعيتا الشعب، والثالثة في وادي الحجير.. نعم، شكّلت مجزرة الدبابات في وادي الحجير برأسها هزيمة لجيش العدو، فهل يحتمل الجيل الواحد للعدو ثلاث هزائم متوالية؟! والجواب متروك للزمن.

الخسائر التي تدعي إسرائيل بأنها أوقعتها في صفوف المقاومة، تختلف عن المبالغات التي تروجها الولايات المتحدة، ونحن نعلم أن وزارة الدفاع الأمريكية أنشأت فرعاً قبل حرب العراق مباشرة أسمته فرع "التضليل السياسي والخداع الإعلامي" وهو موجود في البناغون، وهذا الفرع هو الذي يروّج كثيراً من المعلومات الخاطئة عمداً، والمكذوبة قصداً، والتي للأسف يجد البعض منها طريقه إلى لصحف ووسائل الإعلام العربية، وأكثر هذا الترويج التضليلي تعتمده "السي إن إن" و "البي بي سي" وتأخذ عنهما بعض وسائل الإعلام العربية، فاقتضى التنويه.

هذا المركز التضليلي، ادعى أن حزب الله فقد 600 شهيداً و600 جريحاً، والأرقام الإسرائيلية كانت أقل من ذلك فسجلت 300 شهيداً ومثلهم من الجرحى.. وجاء الواقع ليكّذب الأمريكي والإسرائيلي معاً.

ما مرّ ذكره هو أُشمولة تسجيلية، سجلتها عينُ مراقب للأوضاع الميدانية لا أكثر، وتمّ التركيز فيها بوَجازةٍ شديدة على الجوانب التي تخص المقاومين، وذلك كي يتعرّف القاريء على المجهودات البالغة التي بذلها هؤلاء المجاهدون الشرفاء لناحية الإعداد والتخطيط والتدريب، ولاحقاً في ميدان المعركة والتصويب، والله ولي التوفيق.

أما بعد:

ثلاثية الانتصار:

ما هو النصر؟

كلّ فردٍ جعل لنفسه هدفاً أو مجموعة أهداف ثم عمل على تحقيقها وأتمها، فهذا الفرد يكون قد انتصر.

وكل جماعة وضعت نصب عينيها هدفاً أو مجموعة أهداف وعملت على إنجازها وتحقيقها، وحققتها، فهذه الجماعة تكون منتصرة.

وكل فردٍ أو جماعة، واجهت عدواً، ومنعته من تحقيق أهدافه، فإن هذا الفرد وتلك الجماعة، تكون منتصرة.

فالانتصار له وجهان: إما أن تحقق الجماعة أهدافها.. وإما أن تمنع الجماعة عدوها من تحقيق أهدافه.

فإذا حققت الجماعة أهدافها، وفي الوقت نفسه منعت العدو من تحقيق أهدافه، فالنصر يتحول إلى "نصْرَين".

وهناك نصر ثالث في البين.. وهو شخصية القائد.

فالقائد الجامع للصفات القيادية الحاسمة، من الوعي والإيمان والمسؤولية والنزاهة والإطلاع على دقائق الأمور ومتابعة شؤون الناس باهتمام، يلعب دوراً مهماً في إيصال الجماعة إلى أهدافها.

إن قلت: أن هناك الكثير من القادة الذين جمعوا هذه الصفات أو المواصفات بل أكثر منها، لم ينجحوا في إيصال الجماعة إلى أهدافها، فكيف تصف شخصية القائد بأنها "نصر"؟

قلت: إن شخصية القائد المنصوص عليها هنا، جمعت عنصراً آخر لم يتوفّر للكثير من القادة الصالحين عبر التاريخ، ألا وهي ثقة شعب العدو والرأي العام وبعض قادة ذلك العدو من المدنيين ـ إن صحّ التعبير ـ والعسكريين بهذا القائد وصدقه وشفافيته وأخلاقه..! وهذا عامل حاسم في اعتبار شخصية القائد بحدّ ذاتها "نصر".
 
جذّرت مسلكية المقاومة في مواجهة الحرب العدوانية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على لبنان "نموذجاً" لهذه الثلاثية الرائدة، التي قلّما جمعتها أمة في تاريخها، حيث استطاعت أن تحقق أهدافها، وأن تمنع العدو على حدٍّ سواء من تحقيق أهدافه باعتراف العدو الصريح والواضح، وأن تمتلك في الوقت عينه شخصية القائد التي تختزن النصر والتي حملت اسم "نصر الله".

النصر ليس نصراً واحداً، بل هو ثلاثة انتصارات.. فعلاً إنها ثلاثية رائعة.

ثلاثية "الخلفية الإيمانية، والإعداد، والقيادة الحكيمة":

الخلفية الإيمانية:
شكّلت الخلفية الإيمانية بكافة تشعّباتها أرضية خصبة للمقاومين، درجوا عليها منذ نشأتهم، ورضعوها في طفولتهم، واشتدّت لحمتها في بيئتهم التي تُعتبر مدرسة حقيقة لتخريج الثائرين على الظلم، الرافضين للفساد، المتعطشين للعدل والحرية، الذين يرفضون الذلّ والهوان، ويتمسكون بالكرامة والعزّة، ولا حياة لأفراد هذه البيئة خارج هذه التوصيفات.

كانت المجالس الحسينية مدرسة متنقلة يتعلمون فيها، تعاليم دينهم، وينهلون منها دروس تفسير القرآن والمفاهيم الإسلامية العامة، والفقه، والتاريخ الناصع للإسلام وأئمة المسلمين، ولنبيّهم الكريم صلى الله عليه وآله، وأخلاقه العظيمة "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ".

هذه الخلفية الإيمانية شكّلت الحلقة الأولى من تكوين شخصية المقاوم الرسالية، وهي العنصر الرئيسي الذي يحتّم على الفرد المقاوم أن يكون مسؤولاً أمام ربّه أولاً، وأمام نفسه ثانياً، وأمام بقية الناس ثالثاً.. فالمقاوم يعلم تمام العِلم أن ما يقدّمه من خير فلنفسه وإن أساء فعليها، وهذه التقدير نابع من إيمانه بربّه وبقرآنه " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ""وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ".

يقال أن الإمام عليَّ بن أبي طالب قال مرةً: أنا، منذ زمنٍ بعيد، ما أحسنت لأحدٍ قط، ولا أسأت لأحدٍ قط.. فاستغرب الناس هذا الكلام.. وقد علموا أن أفعال الإمام كلها إحسان للناس. فلما رأى استغرابهم قد طال، وأنهم لم يهتدوا إلى وجه القول، قال لهم: ما أحسنت إلا لنفسي، ولا أسأت إلا لها.. دونكم القرآن !!: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ".. أو قال: "إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا".

إنها مدرسة متكاملة للمسؤولية الدقيقة أمام الله تعالى، ومن هنا نفهم كيف يثبت هؤلاء المقاومون أمام الأهوال، ويُخاطبون بـ "تزول الجبال ولا تزول أقدامكم".. هذه الحقيقة، أنتجتها خلفية المقاوِم الإيمانية.

الإعداد والأخذ بالأسباب:
لم يترك المقاومون شؤونهم للمصادفات، ولم يركنوا للظروف على علاّتها، بل استمدوا من قرآنهم ضرورة الإعداد ما استطاعوا من عناصر القوة لمواجهة عدوّهم، فأخذوا بقوله تعالى "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ".. فأعدّوا ما استطاعوا بالفعل، ولو رجع القاريء إلى ما سردناه سابقاً من الوقائع الميدانية، لأيقن يقيناً لا شبهة فيه بما يذله هؤلاء الرجال الأشاوس من جهد جهيد في عملية الإعداد، وعلى الله قصد السبيل، وبه ومنه التوفيق.

لم يكتفِ المقاومون بما حققوه من انتصارات خلال فترة مقاومتهم الطويلة لأعداء الأنبياء والإنسان، كما لم يكتفوا بالإعداد الجيّد بل أضافوا إلى هذه العناصر عنصراً جديداً، استلهموه أيضاً من قرآنهم ألا وهو عملية الأخذ بالأسباب العلمية والعملية، وهذه الأسباب تشمل التدريب العملي على ما في أيديهم، وتشمل أيضاً تطوير ما في أيديهم من وسائل ومعدات، وقد نجحوا في هذا الأمر نجاحاً كبيراً، شهد به العدو قبل الصديق. وهذا الأمر ذكره الله تعالى في قصة ذي القرنيْن، فبعد أن أعطاه الله الأسباب "أَتْبَعَ سَبَباً".. فلم يجلس مكتوف الأيدي ليستمتع بالأسباب التي أسبغها الله عليه، بل نهض للأخذ بالأسباب وللتفتيش عن المستضعفين والمظلومين أينما كانوا من الأرض ابتغاء نصرهم وإعزازهم.

القيادة الحكيمة:
عرّفنا القيادة فيما سبق من القول، وقلنا أن القيادة تلعب دوراً هاماً في صنع النصر بل تكون هي بحدّ ذاتها "نصراً"..

إلا أن القيادة الحكيمة لا تأتي أولاً، وإنما تأتي ثالثاً في ترتيب الأولويات. لأن القائد الحكيم بالغاً ما بلغ لا تنتفع الأمة منه في تحقيق النصر ما لم يكن لديه من الأتباع ثلّة مؤمنة مدربة واعية! فكم من قائد حكيم مرّ في تاريخنا وهو يتحسّر على مجموعة رسالية تنهض معه لتحقيق المباديء ونشر الخير والفضيلة فلم يجد.. ولو أردت أن أورد أمثلة لذلك لطال بنا المقام ولخرجنا بمجلد كامل إن لم نقل بمجلدات.

ثلاثية الخلفية الإيمانية والإعداد والقيادة الحكيمة، جلّاها مجاهدو المقاومة الإسلامية بأسطع تجلياتها في معركتهم الأخيرة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الوحشي على لبنان.

ثلاثية المقاوم "المقاوم المجاهد، المقاوم الصامد، المقاوم الرَّافد":

المقاوم المجاهد:
المقاوم المجاهد هو المقاوم الذي امتشق سلاحاً في مواجهة العدو، أو هو المقاوم الذي يقوم بأي دور تسنده إليه القيادة العسكرية في الميدان.

هذا المقاوم، هو الذي يصنع النصر في الدرجة الأولى، وهو الذي يتحمل مسؤولية مواجهة العدو، وعليه تتوقف "بوصلة" المعركة، فإن انهزم! انهزمت الجبهة.. وإن ثبت وصير! انتصرت الجبهة، فهو "ميزان" المعركة وعليه تتوقف نتائجها.

هذا المقاوم، عرفته الأمة في المواجهات الأخيرة إن لم نقل عرفه العالم أجمع.

المقاوم الصامد:
المقاوم الصامد، هو المواطن الذي ثبت في مكانه وصمد في أرضه، وكان مكانه من الأرض يقع ضمن الدائرة التي يستهدفها العدو بنيرانه.

نموذج هؤلاء المقاومين شهدناه بكثرة، ومن بين هؤلاء كان العدد الأكبر من شهداء الوطن، بل إن الهجمة الشرسة للعدو تركّزت على هذه الفئة من المقاومين بعد اليوم الخامس تقريباً من بداية العدوان، وكل مَن تابع شريط الأحداث الميدانية على الشاشات المرئية يتيقّن من أن ثلثيْ هجمات العدو الجوية والصاروخية استهدفت عائلات هؤلاء المقاومين الصامدين ومن كل الفئات والأعمار.

المقاوم الرافد:
وهو الشخص أو الهيئة أو الجماعة أو المؤسسة التي ترفد المقاومين الصامدين والمجاهدين بأي نوع من أنواع الرِّفادة.

والمقاومون الرَّافدون ليسوا بالضرورة من المواطنين اللبنانيين حصراً بل قد يكونوا على امتداد العالم أجمع.

وأنواع الخدمات التي قدمها المقاومون الرافدون كانت كثيرة ومتنوعة، سواء على مستوى الكلمة المعبِّرة في الإعلام أو في التجمعات المناصرة للمقاومة، أو في التظاهرات الحاشدة، أو في المساعدات الطبيّة أو العينية أو المادية، أو أي شكل من أشكال الدعم، هؤلاء بحق هم من المقاومون الذين رفدوا المقاومة بقسميها: المجاهد والصامد.

هذه الثلاثية المباركة للمقاومين: المجاهدين والصامدين والرافدين تجلّت ناصعة بأبهى صورها في مواجهة العدوان البربري الصهيوني الأمريكي الأخير.

ثلاثية علي شريعتي "المنهج، الإيمان، التضحية":

رمز شريعتي بكلمة "المنهج" إلى كل أبواب المعرفة التي يستطيع الإنسان أن يراكمها خلال مشوار حياته، وخصوصاً تلك الأبواب من المعرفة التي تساعد الفرد على خدمة الإنسان في مجتمعه قبل الانتقال إلى خدمة الإنسانية في المجتمع الكبير.
وأكّد شريعتي على أن "المنهج" يجب أن يكون موضوعياً وجريئاً يمكّن الإنسان من اكتشاف الحقائق، ويحمل في طيّاته على الدوام ملامح الإسلام الأولى بكل عناصرها الإنسانية لناحية تأصيل العلاقات الاجتماعية القائمة على الأخوة والمحبة والتعاضد.

أما "الإيمان" فإنما يكون من وجهة نظر شريعتي "أمام كعبة الله"، أي في تقديس كل ما له ارتباط بالذات الإلهية، سواء على مستوى العقيدة، أو على مستوى فهم التعاليم واحترامها، أو لناحية تثميرها، والالتزام بها.

وأما "التضحية" فتكون أمام "بيوت الناس". ورمز شريعتي بذلك إلى أن تحقيق المباديء على مستوى المنهج والإيمان بحاجة للدماء من أجل تحقيق العدل والحرية والعيش الكريم لعامة الناس.

هذه الثلاثية وضعها علي شريعتي في مواجهة الثلاثية المعاكسة لها وهي "فرعون، قارون، بلعم بن باعوراء".

فالقرآن يرمز بفرعون: للسلطة الحاكمة الظالمة الغاشمة.. وبقارون: إلى السلطة الاقتصادية الشرهة.. وبلعم بن باعوراء: إلى السلطة الدينية الرسمية، أو ما اصطلح على تسميته بوعاظ السلاطين.

ثلاثية في مقابل ثلاثية...

لا نستطيع أن نحصي عدد المؤسسات العاملة في خدمة الناس التي أسسها حزب الله، ولا الخدمات المتنوعة التي يقدمها أفراده لعامة الناس من كل الألوان والأطياف، ولكننا نستطيع أن نقول إن خير ما يعبّر عن منهج حزب الله في إطار الخدمات ما جاء على لسان أمينه العام السابق الشهيد السيد عباس الموسوي مخاطباً جمعاً من المواطنين "سنخدمكم بأشفار عيوننا". وكفى بها من كلمة معبرة.

"المنهج الإيماني" في شرع المقاومين يتمحور على إيصال النفع للناس وخدمتهم حتى ولو كلفهم ذلك "التضحية" بأنفسهم وبذل دمائهم.

فالمقاوم عندما يدافع عن الأرض التي هي أرض الناس، وعن أرزاق الناس، وعن أعراض الناس، ويسقط شهيداً مضرجاً بدمائه في سبيل ذلك، فهل يعني ذلك غير أنه ضحّى أمام "أبواب الناس"!.. نعم، لقد ضحّى أمام أبواب الناس.

إن قلت: المقاوم يعمل في سبيل الله ويجاهد في سبيل الله ويستشهد في سبيل الله، فكيف تقول بأنه يعمل ويجاهد ويستشهد في سبيل الناس!؟

قلت: النتيجة واحدة، سبيل الله هو سبيل الناس.. فالله في صف الناس، في صف الفقراء، في صف المستضعفين، وليس في صف فرعون وقارون وبلعم بن باعوراء ومَن والاهم.

بل بقليل من التأمل نجد أن ما نسبه الله تعالى في القرآن لنفسه على المستوى الاقتصادي والمادي والاجتماعي هو للناس بلا منازع.. قال تعالى: "مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ"، والحال أن الله تعالى غني عن العالمين، والقرض يكون لعباد الله الفقراء والمحتاجين.

وقال تعالى: "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ"، والحال أن هذا البيت هو بيت الله تعالى.
وفي الحديث الشريف أن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كان إذا تصدّق على فقير، قبّل يده مباشرة، فقيل له في ذلك، فقال: في يد الله وقعت!.. أي الصدقة وقعت في يد الله، والحال أن الصدقة وقعت في يد الفقير.. وهذا إن دل فإنما يدل على مدى الترابط الوثيق بين تقديم العون والنفع للناس وبين رضا الله تعالى، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

والقاعدة في المعاملة: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" و "الخلق عيال الله، فأحبهم إلى الله، أنفعهم لعياله".. و "أحب الأعمال إلى الله إغاثة الملهوف".. و "إصلاح ذات البين".. و "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً".. "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ".. و "لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ.."

"الدين المعاملة" هي قولة المعصوم الشاملة.. وله قولة أخرى: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".. إن العبادة هي المعاملة.. وكما أن قيمة العبادة هي للفرد العابد، فكذلك قيمة المعاملة، إنما هي للفرد المعامِل. هذا في المكان الأول. ثم هي لفائدة الجماعة في المكان الثاني..

والآيات والنصوص التي تشهد على ارتباط رضا الله تبارك وتعالى بخدمة الناس أكثر من أن تُحصى في هذه العجالة.

سطّر المقاومون ثلاثية "المنهج الإيماني المضحّي" جليّة واضحة أمام أعيننا كأروع ما تكون التضحية في مواجهتهم للعدوان الأمريكي الإسرائيلي الغاشم على لبنان.

ثلاثيّة الثلاثيّات "العلم، والإرادة، والقدرة":

أخلاق الله أعلاها: الحكمة.. والحكمة هي وضع الأشياء في مواضعها، وهي إعطاء كل ذي حقٍ حقه.. وتنفيذ الحكمة في الواقع المعاش إنما يتأتى بتوحيد هذا الثالوث: العلم، والإرادة، والقدرة.. ولقد خلق الله، تبارك وتعالى، خلقه بالعلم، والإرادة، والقدرة، فبرزت الحكمة بعد كمون.. ونحن علينا، من أجل التخلق بأخلاق الله، أن نقوم بكل عمل نعمله، بعلم، وبإرادة، وبقدرة.. أو، بعبارةٍ أخرى، بعلمٍ دقيق بما نريد عمله، ثم تخطيط لهذا العمل، وفق هذا العلم الدقيق، ثم تنفيذ لهذا التخطيط، جهد الإتقان..

وبوحدة هذا الثالوث: العلم، والإرادة، والقدرة، نحرز المقدرة على توحيد ثالوث، هو في غاية الأهمية، كوسيلة مفضية إلى الحرية الكاملة، ومن ثم إلى الحياة الكاملة.  هذا الثالوث هو الفكر، والقول، والعمل.. ذلك بأن الرجل الحر هو، في أول الطريق، مَن يفكر كما يريد، ثم يقول كما يفكر، ثم يعمل كما يقول، ثم هو، دائماً، مستعد لتحمل نتيجة فكره، وقوله، وعمله، أمام الله، ثم أمام المجتمع، وفق قانون دستوري..

ثم إن الحُر، في درجة متقدمة من المراقي، إنما هو من يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم لا تكون عاقبة فكره، ولا قوله، ولا عمله، إلا براً، وخيراً، بالأحياء، وبالأشياء.. وإنما من أجل وحدة هذا الثالوث المهم جاء قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ".. هذه وحدة ثالوث "الفكر" وهو: "الفكر، والقول، والعمل"، وهي وسيلة واسلة للوحدة الكبرى، التي هي وحدة ثالوث "الحياة" وهو: "العقل، والقلب، والجسد".. وهذا هو نهاية المطاف (وليس للمطاف نهاية) ولكنه غاية الغايات، ونهاية النهايات.. وهو جماع التكليف الديني، في جميع أكوان وجود الإنسان.. في هذه الحياة الدنيا، وفي دنيا البرزخ، وفي النار، وفي الجنة.. بل إن الحياة الكاملة ليست تكليفنا الديني فحسب، وإنما هي القدر المقدور لنا.. فإن الإنسان مكتوبة عليه الحرية، ومكتوب له الكمال.. يقول تعالى في ذلك: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ"..

ويقول تعالى في ذلك، أيضاً: "يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ".. قال: “الإنسان”، ولم يقل “المؤمن”.. لا!! ولا حتى “المسلم”.. وإنما قال “الإنسان”.. فعُلم أن مطلق إنسان يلاقي الله.. وما له من ذلك بد، وليس له فيه اختيار.. وليست ملاقاة الله بالسير في المسافات، وإنما هي بتقريب الصفات من الصفات ـ هي بتقريب صفات العبد من صفات الرب ـ وبهذا تكمل الحياة.. وليس لكمال الحياة نهاية فيبلغها الحي، وإنما هو السير السرمدي في مراقي القرب من الله.. وهذا السير هو “ثورة فكرية” و “ثورة ثقافية”.. وهذه الثورة لا تنتهي.. لأن السير إلى الله لن ينفك، ولن يقف.. فأهل الدنيا، في الدنيا، سائرون.. وأهل البرزخ، في البرزخ، سائرون..و أهل النار، في النار، سائرون، وأهل الجنة، في الجنة، سائرون.. فالسير في “السرمد”، بعد نهاية “الأبد”.. ومن أجل ذلك قلنا: إن الثورة الثقافية لها بداية، وليست لها نهاية.. لأنها “تطور” سرمدي في مراقي الكمال المطلق..

ختمت الثلاثيات بهذه الثلاثية وسميتها ثلاثية الثلاثيّات لأنها ترجمة حيّة وناطقة للبناء الفكري والعقائدي والعملي لكل مقاوم شريف في أرجاء الأرض، وإن كان هذا البناء بحمد الله قد حققه المقاومون في لبنان ماضياً وحاضراً، بل يستطيع المُنصف أن يتأمل ما تقدّم بعناية ويقايسه بما شاهده وسمعه وقرأه عن المقاومين خلال الحرب وقبلها، ليتأكد من جديّة هؤلاء المقاومون الأسطورة في أقوالهم وأفكارهم وأعمالهم وقلوبهم وإيمانهم وتضحياتهم.

وعلى الله قصد السبيل والحمد لله رب العالمين.

الآراء الواردة في هذه الصفحة تعبر عن آراء أصحابها فقط؛ ولا تعبر بالضرورة عن رأي دار الأمير للث

15-05-2008 الساعة 03:40 عدد القراءات 4431    

الإسم
البريد
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد


جميع الحقوق محفوظة لدار الأمير © 2022